كفى استغلالاً: ازمة النزوح في لبنان بالارقام والوقائع

Syrians.jpg

بعد مرور خمس سنوات على توافد النازحين/ات السوريين/ات الى لبنان، لا تزال ازمة النزوح تستحوذ على حيز بارز من الجدل السياسي، وسط تباين في الرأي وتخبط في المعالجات واضحين. منذ السنة الاولى للنزوح، انبرى الكثير من السياسيين للتهويل من نتائجه الكارثية، مستندين الى حجج غير منطقية او واقعية، في محاولة للاستثمار في ذلك سياسيا واقتصاديا. ركزت حملة التهويل على تزايد حجم الوافدين/ات بشكل خطير، محملين النازحين/ات مسؤولية التدهور الاقتصادي وتردي مستويات الخدمة العامة، وقد استند هؤلاء في حملتهم على تضخيم اعداد النازحين/ات السوريين/ات، رافعين الاجمالي الى مليونين وحتى الى مليونين ونصف نسمة، لكن في المقابل، اظهرت بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ان اجمالي النازحين/ات في لبنان في العام 2011 بلغ 4 الاف نازح/ة، وفي 2012 نحو 222 الف نازح/ة، فـ700 الف نازح/ة في 2013، و934 الف نازح/ة في 2014، محققاُ الذروة في 2015 مع 1.170 مليون نازح/ة ، لينخفض في 2016 الى 1.1 مليون نازح/ة وحتى الى ما دون ذلك. وتجدر الاشارة هنا، ان غالبية الذين اخذوا يهولون من ازمة النزوح، كانوا السباقين مع بدء الحرب في سوريا في المطالبة بتشريع الابواب، خدمة لاهداف سياسية، لسنا بوارد تناولها في هذه العجالة.
لقد شكلت الارقام المضخمة مدخلا، لتحميل النازحين/ات السوريين/ات مسؤولية كافة الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد من تراجع في مستوى النمو الاقتصادي، تزايد حجم البطالة، والتدهور في مستوى الخدمات العامة. سنتناول في ما يلي ابرز الحجج التي سيقت في ذلك الاتجاه، محاولين تفنيدها بالاستناد الى بعض الوقائع.

- حول الازمة الاقتصادية: في شهر ت1 2014، اعتبر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، خلال حديث تلفزيوني على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، "ان عبء النازحين/ات السوريين/ات أدى إلى انخفاض معدلات النمو للاقتصاد اللبناني"، بحيث بات ذلك الموقف شعارا، يردده معظم السياسيين في لبنان. لكن، الكثير من الخبراء والاقتصاديين/ات، يعزون/ن الازمة الاقتصادية الحالية وتراجع النمو الى 1% لعوامل اساسية اخرى منها:
• تردي الاوضاع العامة في المنطقة وانعكاس ذلك في لبنان
• اقفال المعابر البرية بين لبنان ودول المنطقة عبر سوريا
• تراجع حركة السياحة والتصدير والعقارات
• الحصار الاقتصادي الذي فرضته دول الخليج على صعيد السياحة، التحويلات، المساعدات، الخ...
وعليه، يبدو جلياٌ ان النزوح ليس السبب الرئيسي، بل حتى ثمة من يقول ان تواجد النازحين/ات السوريين/ات في لبنان ساهم في التخفيف من حدة الازمة الاقتصادية، من خلال توفير اليد العاملة الرخيصة لعدد من القطاعات المأزومة، ورفع مستوى الطلب الاستهلاكي.

- حول تفاقم مشكلة البطالة: مشكلة البطالة في لبنان بينية وسابقة لاندلاع الحرب في سوريا. لكن وزير العمل، سجعان قزي، مثلاً، يتعمد بشكل شبه يومي اثارة موضوع الصرف التعسفي، مركزا على بعض الشركات التي تقوم باستبدال العمال/ات اللبنانيين/ات بالعمال السوريين/ات. في المقابل، يرى وزير العمل السابق، شربل نحاس، ان الصرف الجماعي لم يبدأ اصلا مع حركة نزوح بل هو مسألة قديمة ومتمادية، مرتبطة بالازمات الاقتصادية التي يشهدها لبنان بشكل دوري. وربما يصح القول ان انعكاس الازمة على المؤسسات الاقتصادية كان سيكون اكثر شدة، بشكل عام، لولا وجود اليد العاملة السورية الارخص.

-تردي مستويات الخدمات العامة وتهالك البنى التحتية: يطغى الحديث الرسمي في لبنان حول عدم تحمّل البنى التحتية تزايد اعداد النازحين/ات. وتأسيسا على ذلك الطرح، تم تضمين تأهيل وترميم تلك البنى التحتية، في الاتفاقيّة الاقراضية التي وقعتها الحكومة مع البنك الدولي في تموز الماضي، وكذلك في كل طلبات المساعدة الدولية. لكن ما يعلمه الجميع ان البنى التحتية في لبنان متهالكة اصلاً، وقبل بدء الحرب في سوريا، والدليل في ذلك، الاتفاقية السابقة التي ابرمت مع البنك الدولي للاعوام 2011 و2014 (اي قبل بدء عملية النزوح) والتي ركزت هي الاخرى على معالجة تردي البنى التحتية.

وفيما يجري تحويل السوريين/ات الى كبش محرقة، واستغلال ازمة النزوح لاجتذاب عطف الجهات المانحة الدولية، يزداد وضع الاسر السورية سوءا يوما بعد يوم، اذ اظهرت دراسة أعدّها كل من "برنامج الأغذية العالمي" و"المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" ومنظمة "اليونيسيف"، صدرت في ايلول 2016، تحت عنوان "تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين/ات السوريين/ات"، ان اكثر من 70% من العائلات النازحة إلى لبنان يعيش تحت خط الفقر وبالحد الأدنى من الإنفاق.
نختم بالقول ان ازمة النزوح لا شك شكلت مشكلة انسانية كبيرة جداً بالنسبة للاخوة السوريين/ات الوافدين/ات، كما انها تمثل ضغطاً مستمراً على موارد الدولة الشحيحة اصلاً بسبب ظاهرة سوء الادارة، الهدر والفساد المستشرية، بشكل عام، في المؤسسات العامة. لكن الاكيد ايضاً انها لم ولن تبلغ المستوى الكارثي الذي يبشر بها معظم الطبقة السياسية في لبنان، في محاولة غير موفقة لتغطية عجزها على كل المستويات، وبغرض استدراج المساعدات الدولية.