تأمين الغذاء والرعاية الصحية يقضي على مداخيل فقراء لبنان

Thursday, 19 May 2016 - 1:00am
في منزل لا تتعدّى مساحته ثلاثين متراً مربعاً مبني بطريقة عشوائية ضمن أحد الأحياء الشعبية في العاصمة اللبنانية بيروت، يعيش كمال مع زوجته وولديه. مدخوله الشهري لا يتجاوز الـ200 دولار، إذ يعمل كمياوم في معمل للنسيج ومدخوله 10 دولارات في مقابل كل يوم عمل. لكنّ رب العمل لا يطلبه يومياً بل يحتاج إلى خدماته في أيام «زحمة الطلبات». وقد حاول كمال كثيراً أن يجد عملاً آخر، لكن مع حرمانه من التعلّم من طفولته وعدم تخصصه بمصلحة معينة، أصبح ذلك شبه مستحيل بالنسبة إليه، والاعتماد كلّه على أي مدخول يأتيه من عمله اليومي، خصوصاً بعد إصابة زوجته بفيروس سبب لها التهابات كثيرة ومنعها من العمل الذي كانت تزاوله وهو تنظيف المنازل في مقابل 5 آلاف ليرة للساعة، أي نحو 3 دولارات.
ويصرف كمال مدخوله المتواضع في شكل أساسي على الطعام والشراب لزوجته وأولاده، إضافة إلى شراء الدواء الأكثر ضرورة، فيما عاد أطفاله إلى المدرسة الرسمية هذه السنة بعد غياب سنة كاملة، مع إعلان وزارة التربية عن مجانية التسجيل في العام الدراسي بسبب الدعم المالي الذي حصلت عليه من مؤسسات دولية.
وعلى رغم وضعه الاقتصادي السيئ، يرى كمال أنّ حاله أفضل من كثيرين يقطنون في محيطه، فهناك أشــخاص ليــس لديهم مدخول، وإذا لم يأتهم بعض مــــساعدات الأكل والأدوية من جمــعيات، ســيموتون من الجوع أو المرض، فيما تمدّ أحــزاب أيضاً عائلات بمـســاعدات عينية. لكن كلّ ذلك غيــر كاف بنظر كمال والقاطنين في حيّه، فالتــســرّب المدرسي في ذروته مع حاجة العائلات إلى عمل الأطفال، وظروف العيش إلى تدهــور مستــمر في ظـــلّ ندرة فرص العمل. فكيف يمكن عائلة أن تعيــش بمدخول يتراوح بين 50 و٣٠٠ دولار؟ وهذا الــسؤال لا يطاول عدداً محدوداً من العائلات، بل ينطبق على 1,5 مليون لبناني وحوالى ٧٢٠ ألف لاجئ سوري و١٧٨٢٠٠ لاجئ فلسطيني، يعيشون جميعهم تحت خط الفقر وفق إحصاءات الأمم المتحدة، ومع ارتفاع عدد الفقراء في لبنان بنسبة ٦١ في المئة منذ عام ٢٠١١.

الغذاء أولاً
يفتقد لبنان للإحصاءات الرسمية السنوية الواضحة في مجال الفقر وتحديد أبعاده وتأثيراته، والاعتماد في شكل رئيس يكون على ما توفّره المنظمات الدولية أو المحلية من دراسات وأبحاث في هذا المجال.
فمثلاً في مجال توزيع دخل الأسر الفقيرة، شكلت دراسة «الفقر وانعدام المساواة والحماية الاجتماعية في لبنان» الصادرة عن «معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية»، نقطة مفصلية لفهم كيف يعيش الفقير عموماً وليس فقط استناداً إلى حالات شخصية، إذ تستند إلى نقاشات ضمن مجموعات تركيز مع ١٢٨ أسرة في خمس مناطق هي بيروت، طرابلس، عكار، البقاع والنبطية.
وورد في الدراسة أن الأسر الفقيرة توزّع دخلها بين ٣٥ و٥٠ في المئة على الغذاء، وهي نسبة عالية جداً، ما يشير إلى ضعف الرواتب وصعوبة تلبية الحاجات الغذائية الأساسية للعائلات. وهناك إنفاق بنسبة ٢٠ في المئة على الرعاية الصحية، وهذا ليس مستغرباً في وقت لا تشمل التغطية الصحية نصف الشعب اللبناني، والثقل كله ملقى على وزارة الصحة وقدرتها على تغطية هذه الأعداد الغفيرة التي تحتاج إلى الدواء ودخول المستشفيات.
وفي وقت تحتاج الأسر الفقيرة إلى تعليم أولادها، بما يساهم في رفع مستوى العائلة، يشكّل التعليم ١٥ في المئة من المصاريف فقط، فإما يدخل الأطفال إلى المدارس الرسمية غير المكلفة أو يتسرّبون من المدرسة في عمر باكر ويتجهون نحو سوق العمل. والنسبة اللافتة للنظر أنّ سداد الديون وكلفة السكن يشكلان ١٠ إلى ١٥ في المئة من المصاريف الشهرية، فمن ناحية السكن أما يكون الإيجار ما زال قديماً أو أن الإقامة في حي شعبي بني عشوائياً، فيما يمكن الديون أن تقضي على المدخول الضعيف للعائلة، خصوصاً في المواسم التي يقل فيها العمل اليومي مثل فصل الشتاء، وذلك في ظل المنافسة الأجنبية للعمال اللبنانيين، ما رفع معدلات البطالة أكثر فأكثر وزاد تدنّي أجور العمل الموسمي.

«مسكنات»
سجّلت الدراسة بعض الأطر الرسمية الموجودة لمساعدة الفقراء ومنها البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، إذ تساعد بدعم من تمويل البنك الدولي والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لكن الدراسة تشير إلى أنّ هذا البرنامج يغطّي حاجات ١٢ في المئة من المواطنين الأشد عوزاً فقط، مع تقديم مساعدات مجانية في المستوصفات.
وفي ظلّ هذا الوضع، تلجأ عائلات إلى المؤسسات السياسية أو الدينية لتعويض نقص خدمات الدولة. لكن أي حلول جذرية لا تطرح من قبلها بل يكون هناك مساعدات أو حتّى قروض مسهّلة يمكن أن تغرق الأسر في مزيد من الديون.
وفي المحصلة النهائية، فإنّ الحزمة الاجــتماعية والاقتـصادية الشــاملة التي يحتاج إليها الفقراء لتجاوز خط الفقر غير متاحة بعد على رغم برامج مكافحة الفقر التي تطرحها أكثر من جهة من وقت إلى آخر، فالتعامل مع الموضوع قائم على تسكين آلام الفقراء وليس علاجها.

لبنان ACGEN اجتماعيات الحياة