طلاب الشمال في انتظار المبنى الجامعي الموحد

Monday, 8 February 2016 - 12:00am
أكثر من ثماني سنوات مرت على المباشرة بتشييد «البناء الجامعي الموحد في الشمال». على الرغم من أن انتظار رفع الستار طال أكثر من المتوقع، لا تزال الآمال مُعلقة عليه لتطوير التعليم الجامعي، فهل يتحقق حلم طلاب طرابلس والجوار بالانتقال إلى صرحهم الأكاديمي الجديد مطلع العام المقبل؟
آليات حفر وجرافات ورافعات كثيرة تسلك طريق عام البحصاص ـ الكورة يومياً، لتحط على رأس تلة «المون ميشال» حيث يتم إعمار البناء الجامعي الموحد. عند مفترق بلدة «رأس مسقة»، يدكّ ضجيج الحفريات آذان المارة ما يدفع معظمهم إلى الالتفات لمعاينة مصدر الصوت، فتظهر على يمين الطريق مجموعة مبانٍ ضخمة غير مكتملة، نوافذها زجاجية غطّاها الغبار المتصاعد من ورشات العمل المستمرة منذ زمن. هنا، لا تهدأ حركة العمّال والمهندسين والمشرفين من السابعة صباحاً حتى الخامسة مساء. يتنقلون ذهاباً وإياباً على مساحة 135 ألف متر مربع. يتواصلون مع بعضهم بواسطة أجهزة لاسلكية، ويتناوبون على شَغل الهنغارات الصغيرة، التي بنوها للراحة، في ساعات الحرّ الشديد.
معظمهم يحفظ تفاصيل المخطط التوجيهي للمبنى الجامعي عن ظهر قلب. يتسابقون في تحديد وجهة السير الصحيحة في المكان. «من هنا نصل إلى كلية الهندسة.. في هذه الحفرة سنبني مختبر كلية العلوم وسنهدم ذلك البناء المتهالك العائد لأيام الحرب»، يوضح أحدهم.
ويشير آخر إلى أنه «تم الانتهاء من بناء كليتي الهندسة والفنون، بانتظار استكمال محيطهما لتأمين انتقال الطلاب». وعلمت «السفير» أن «الشركة التركية الملتزمة العمل في هاتين الكليتين انتهى عقدها في العام 2012 حيث كان من المفترض أن تُسلم المبنيين. ونتيجة للتأخير في إنجازهما مُدد لها أكثر من مرة، وتم الاتفاق على أن تُسلمهما لافتتاحهما مطلع العام 2017. إلا أن الشركة عادت وطلبت قبل أيام التمديد مرة أخرى ستة أشهر إضافية. ما أثار إنزعاج إدارة الجامعة وموظفيها.
ذلك «الانتقال المكاني» للطلاب من كليات «حرب المحاور» بين جبل محسن وباب التبانة، إلى كليات محصنة على تلة بعيدة، تحوّل من مطلب إلى حق فحلم، ملّ طالبو العلم في «العاصمة الثانية» من انتظار تحققه. إذ يعود «حلم البناء الجامعي الموحد» إلى العام 2001، حين بدأت لجنة من أبناء طرابلس تطالب بلمّ شمل كليات الجامعة الوطنية. آمن أعضاء اللجنة بأن تفرّع الجامعة مدخل إلى تراجع فعاليتها، ونادوا بحصر جميع الكليات في مبنى موحد. فكانت الحرب، التي تسببت بدايةً في إنشاء كليات طرابلس، هي نفسها، السبب الأساسي الذي دفع باتجاه الضغط لجعل البناء الموحد ضرورة لا تُقابل بالرفض.
وُضع حجر الأساس للبناء الجامعي الموحد في العام 2002 في عهد رئيس الجمهورية إميل لحود. واختير موقع تلة «المون ميشال» نظراً لميزاته الاستراتيجية لناحية قربه من مختلف الأقضية والمحافظات الشمالية، ولضخامة مساحته وبعده عن المجمعات السكنية. وقد كان سابقاً عقاراً مملوكاً من قيادة الجيش التي قدمته كهبة دعماً للجامعة الوطنية. كُلف «مجلس الإنماء والإعمار» بوضع الخرائط والدراسات الفنية، وموّل المشروع «البنك الإسلامي للتنمية». أما شركة «لاسيكو» الاستشارية تولت الإشراف على التنفيذ.
بدايةً، قُدرت تكلفة المشروع كاملاً بـ96 مليون دولار إلا أنه بحسب معلومات «السفير» فإن تكلفة بناء أربع كليات فقط، حتى الآن، من أصل ثماني بلغت 140 مليون دولار. ويوضوح منسق اللجنة الفنية المكلفة مواكبة أعمال المبنى الجامعي علي العلي أنه «يتم تلزيم كل كلية على حدة، والكليات التي تنتهي يتم افتتاحها وانتقال الطلاب إليها مباشرةً».

«مساكن» في جامعة طرابلس!
انطلقت أعمال الحفر في العام 2005، إلا أنها توقفت مع اندلاع معركة «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد في العام 2007. ثم استؤنف العمل فعلياً مطلع العام 2009. ويوضح العلي أن «البناء يتسع لعشر كليات، إلا أنه سيضم الكليات الثماني الأساسية التي كانت متوافرة في مبانٍ عشوائية في منطقة القبة، وهي كليات إدارة الأعمال، الحقوق والعلوم السياسية، الفنون، العلوم الإجتماعية، الآداب، الهندسة، الصحة، وعلوم الحياة. بالإضافة إلى مختبرات للأعمال التطبيقية وقاعات امتحانات وقاعات محاضرات، ومكتبة مركزية ومطعم مركزي، وملاعب رياضية و»Agora» (ملعب سفلي يصل الكليات بعضها ببعض ويدخله الطلاب من أبواب خلفية)، وحديقة».
ويكشف العلي أنه «يتم بحث العديد من الاقتراحات المقدمة لاستغلال المساحة الشاغرة في المبنيين الإضافيّين، عبر ضم اختصاصات جديدة تحتاج إليها طرابلس مثل كلية السياحة أو معهد تكنولوجي». إلا أنه وفق معلومات «السفير» فإن إدارة الجامعة ترغب بإنشاء مساكن طلابية (فوييه) في الحرم الجامعي على غرار الفرع الأول للجامعة في الحدث. وطُلب من مجلس الإنماء والإعمار في هذا الإطار، إعداد الدراسات الفنية اللازمة لإنشاء تلك المساكن وتجهيزها.

إلى «الليسيه» دُر
سنوات الحرب التي عاشتها طرابلس أرغمت بعض الطلاب على مغادرة كلياتهم، وبدل الانتقال إلى البناء الجامعي الموحد، فرّ هؤلاء من القنص والقنابل ورائحة الدم، إلى مبنى مدرسة «الليسيه» في الكورة.
المبنى مملوك من «نقابة المهندسين في طرابلس»، قامت بتأجيره في سنوات سابقة لإدارة مدرسة «الليسيه» وبعد انتهاء العقد معها اقترح أعضاء اللجنة الفنية على إدارة الجامعة والنقابة استئجار مبنى فيها لانتقال طلاب الفنون الجميلة إليه.
وبعد توقيع عقود الإيجار، انتقل الطلاب تاركين خلفهم السنوات التي رُهنت خلالها مسيرتهم التعليمية بيد مجموعات مسلحة. إذ لا ينسى الطالب كريم ذوق يوم اضطر أن يختبئ ورفيقه لساعات من رصاص القنص في حمّامات الكلية. ويشير إلى أن «ما عشناه في الكلية في القبة خلال المعارك لا يحتمل وقد أثر على انتاجيتنا وحياتنا وشوه علاقتنا بالجامعة اللبنانية».
ويروي ذوق: «أتذكر جيداً يوم كنا نقدم امتحاناً فصلياً ومر أحد المسلحين خلف المبنى مطلقاً عيارات نارية كثيفة. ساد الهلع في المكان ولم أكن أتخيّل أننا سننجو».
«لذّة» التجربة الجديدة في الكورة، دفعت بطلاب كلية الحقوق والعلوم السياسية إلى المطالبة بالانتقال أيضاً، ولاسيما أن عددهم يفوق الـ1400 طالب. فتم توقيع عقد إيجار لمنبى إضافي في «الليسيه» لتبلغ تكلفة المبنيين نحو 300 مليون ليرة. «دبت الغيرة» بين الطلاب، وبدأ مرتادوا الاختصاصات الأخرى يطالبون مدراءهم بنقلهم إلى مبانٍ بهيكلية معمارية أفضل حالاً. حتى كتب أحدهم على حائط أحد كليات القبة «تلاميذ بسمنة وتلاميذ بزيت».
وبعيد انتقالهم، ظهرت «رغبة مفاجئة» لدى الطلاب في المواظبة على حضور الحصص الدراسية والمشاركة فيها، بحسب ما يقول ممازحاً عضو المكتب التنفيذي في اللجنة الفنية مصطفى حلوة. ويضيف أن «عدد الطلاب الحاضرين في الصفوف ارتفع من 10 إلى 40 في المئة منذ الانتقال إلى الليسيه». ويوضح حلوة أن «الانتقال مؤقت، ولكن الصفاء الذهني الذي يتمتع به الطلاب الآن دليل على صحة ما قامت به إدارة الجامعة عبر إنشاء المبنى الجامعي الموحد»، مشيراً إلى أن «هذا البناء سيكون أهم إنجاز قُدم لمنطقة الشمال في السنوات العشر الأخيرة».

من طرابلس إلى الكورة: ألف ليرة
رحلة «طالبي العلا» إلى الكورة غير شاقة. هذا ما يؤكده غالبيتهم، مشددين على أن «التخلص من عبء التواجد القسري في كليات كانت اسطبلات ومزارع، ومعظمها محاط بسجون وأسواق ومجمعات سكنية، تستحق القليل من العناء».
يتحاشى طلاب «الفنون» و «الحقوق» الحديث عن سلبيات الانتقال إلى الكورة. يفتحون بازار منافسة بين بعضهم البعض على تقديم أكثر الحجج إقناعاً وإثباتاً لأهمية انتقالهم: «الجو هون جو درس.. أمان كثير.. في باركينغ نصفّ سياراتنا.. ما بيقدر مين ما كان يفوت على الجامعة.. مافي عجقة حولنا، كل المطرح لقلنا». جميع وسائل النقل متوافرة من طرابلس إلى الكورة وفي مختلف الأوقات، وفق الطلاب. إذ تشير هلا، التي تأتي من حلبا (عكار) إلى طرابلس يومياً، إلى أن «الحافلات الصغيرة (فان) العاملة على خط طرابلس ـ عكار توصلنا إلى وسط ساحة النور، ومن هناك نستقل سيارة أجرة توصلنا إلى مدخل الجامعة في الكورة مقابل ألف ليرة فقط»، موضحةً أن «هناك عدداً من الطلاب يستقلون حافلات «الكونيكس» المخصصة للانتقال إلى منطقتي الكورة وضهر العين».
بالرغم من أن الطلاب لا يواجهون مشكلة نقل أو تعرفة، إلا أنهم لن ينجوا من مشكلة التعثر في الوصول إلى حصصهم الدراسية في مواعيدها، بسبب زحمة السير الخانقة التي يشهدها مدخل طرابلس الجنوبي عند مفترق طريق الكورة.
تلك المشكلة لحظتها اللجنة الفنية المكلفة مواكبة العمل في البناء الجامعي في دراسة تفصيلية أعدتها، أظهرت أن تقاطع البحصاص الكورة يمر عليه يومياً ما يقارب الـ28 ألف مركبة. (74 في المئة سيارات عادية، 10 في المئة سيارات أجرة، 7 في المئة حافلات صغيرة (فان)، 4 في المئة شاحنات، 3 في المئة دراجات نارية، 2 في المئة حافلات كبيرة). وأوضحت الدراسة أن فترة انتظار السيارة تطول لأكثر من 200 ثانية، مشيرةً إلى أنه مع انتقال الطلاب والموظفين إلى الجامعة سيتضاعف عدد المركبات وبالتالي ستتفاقم حدة زحمة السير، لا سيما مع إضافة نحو 1500 مركبة عائدة للهيئة التعليمية والموظفين و4000 للطلاب سيستخدمون الطريق المذكور للوصول إلى الجامعة.
وبحسب حلوة فإن «اللجنة قدمت دراستها إلى وزارة الأشغال العامة ولحظت فيها ضرورة توسيع الطريق المذكور عبر إخلاء الأبنية والمحال المبنية بالقرب منه وهدمها لتوسيعه»، مشيراً إلى أن «مشروع التوسيع طُرح منذ زمن، وكانت الدولة استملكت الأراضي هناك ودفعت ثمنها إلا أن أصحابها لم يخلوها نظراً لأن أحداً من المعنيين لم يطلب منهم ذلك».
وأكد أن «مدير عام وزارة الأشغال زار طرابلس الأسبوع الماضي، واطلع على وضع الطريق واعداً باتخاذ الإجراءات اللازمة لحلّ الأزمة».

لبنان ACGEN اجتماعيات السغير تربية وتعليم