الضمان و"الصحة" يتقاذفان عملية إدارة مستشفى البترون المدير العام للصحة يصفها بـ "كرة النار" وإدارة الصندوق ترفض استثمارها

Friday, 8 January 2016 - 12:00am
يتقاذف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الصحة مسؤولية ادارة "مستشفى اميل بيطار الحكومي" (مستشفى البترون) واستثماره، أو ما ارتأى المدير العام لوزارة الصحة وليد عمار تسميته بـ "كرة النار". فالضمان الذي يرفض تجديد العقد، يعتبر أن المستشفى أصبح في عهدة الوزارة بدءاً من تاريخ انتهاء استثمار الصندوق له، فيما طلب الوزير وائل أبو فاعور من الضمان الاستمرار في ادارته... فلماذا هذا التقاذف للمسؤولية وما حقيقة وضع المستشفى؟

بدأ الضمان تجربته مع مستشفى البترون عبر توقيعه عقد الاستثمار بتاريخ 18/1/1974 بين وزارة الصحة وإدارته، فقام الاخير بتجهيز المستشفى وتأهيله. ولكن بسبب التدخلات السياسية، لم تتم عملية التوظيف وفقاً للحاجة والاختصاص بل شابتها عيوب كثيرة شملت التعاقد مع الأطباء والجهاز التمريضي، وحملت هذه الثغرة في طياتها أهم أسباب فشل التجربة.
بعد فترة تبين للقيمين على الضمان، أن ادارة المستشفيات ليست من اختصاصه، واتضح فشل التجربة من جوانب عدة. فاتخذت اللجنة الموقتة القائمة بأعمال مجلس الإدارة في الجلسة عدد 202، القرار رقم 365 تاريخ 24/9/1997، بعدم تجديد العقد مع الوزارة ودعوتها الى تسلّم المستشفى في مهلة أقصاها 31/12/1997.
أمام التدخلات السياسية، استمر الصندوق في إدارة المستشفى واستثماره رغم تدني الخدمات الصحية وارتفاع الخسائر المادية، وجدد عقد الاستثمار استناداً الى قرار مجلس الوزراء رقم 35/2001 بتاريخ 8/2/2001 ولمدة 15 سنة تنتهي في 31/12/2015.
في هذا الوقت، زاد الصندوق إمداداته لمستشفى البترون وقام بإصلاحات لتحسين الأوضاع فيه عبر تغيير اللجنة المشرفة على إدارته، واستبدال المدير العام للمستشفى أكثر من مرة، وتكليف شركات متخصصة لتقديم الدراسات اللازمة لتغيير الأوضاع. ولكن هذه المحاولات فشلت وازدادت خدمات المستشفى الصحية تراجعاً، متزامنة مع ارتفاع الخسائر المالية. كما تبين لمجلس الإدارة أن الاستمرار في ادارة المستشفى واستثماره يلحقان بالضمان أضراراً معنوية وخسائر مالية، فطلب عبر القرار رقم 144 تاريخ 9/12/2004 من المدير العام "درس الخطوات الآيلة الى التخلي عن إدارة المستشفى واستثماره وإعادته الى الوزارة". ولكن الفريق الأول (وزارة الصحة) تمنع عن تسلم المستشفى تحت وطأة الضغوط.
واتخذ مجلس ادارة الصندوق في الجلسة 303، القرار رقم 547 تاريخ 25/6/2009، بالتوقف عن ادارة المستشفى في مهلة أقصاها 31/12/2009، وطلب من المدير العام اعداد برنامج متكامل يأخذ في الاعتبار كل النواحي المالية والقانونية التي تتطلبها اعمال وقف ادارة المستشفى من الصندوق واعادته الى وزارة الصحة ضمن المهلة المحددة في البند الاول. ثم اتخذ مجلس ادارة الصندوق قراراً مدّد فيه مهلة تسليم المستشفى الى الوزارة حتى 30-6-2010.
لكن ولسوء الحظ، تغيرت الحكومة وتبدلت التوجهات ومورست على المجلس ضغوط كبيرة، اتخذ على اثرها قراراً حمل الرقم 616، تاريخ 12/8/2010، قضى بالموافقة على تلزيم ادارة المستشفى الى القطاع الخاص، والطلب الى المدير العام اعداد دفاتر الشروط اللازمة خلال مهلة 6 أشهر.
وبسبب الضغوط السياسية، مدّد مجلس ادارة الصندوق مهلة الاستمرار في تشغيل المستشفى لتنتهي في 31/12/2011. ووافق في القرار رقم 689 تاريخ 26/5/2011 على دفتري الشروط لتلزيم المستشفى وادارته، ولكن هذه المحاولة فشلت وبقي المستشفى بإدارة الصندوق الذي فشل في انهاء عقد الاستثمار مع وزارة الصحة في 31/12/2015.
ومن أجل اعطاء الوزارة الوقت الكافي لتسلم المستشفى، ارسلت ادارة الصندوق الى الوزير ابو فاعور كتابا حمل رقم 1976 بتاريخ 10 تموز 2014، اعربت فيه عن عدم رغبتها في تجديد العقد، ودعته الى اتخاذ الاجراءات اللازمة لتسلم المستشفى. وجددت الطلب عينه في 11 آذار 2015 بكتاب حمل الرقم 798، طلب من الوزارة تنفيذ عقود الاستثمار.
استجاب ابو فاعور هذه المرة ورفع بعد اسبوع من تسلمه الكتاب الاخير، الى مجلس الادارة الكتاب رقم 9599/1/15 تاريخ 19 آذار 2015، يعلمه فيه بإعداد المراسيم الآيلة الى اضافة مستشفى الى ملاك وزارة الصحة وتسوية وضع العاملين، وكذلك طلب الموافقة على توفير اعتماد بقيمة مليار و500 مليون لإنجاز تأهيل المستشفى. وأقر مجلس الوزراء طلب وزير الصحة بالموافقة على الاعتماد وتكليف مجلس الانماء والاعمار القيام بالدراسات اللازمة في جلسة 19/3/2015. وبعدما تبلغ مجلس ادارة الصندوق القرار، قام بتسمية اعضاء اللجنة المشتركة المنصوص عليها في العقد، وابلغ العاملين في المستشفى ان عقود عملهم ستتوقف بتوقف عقد الاستثمار بتاريخ 13/12/2015.
ولكن المفاجأة كانت بعد اجتماع عقد في وزارة الصحة خلال ايلول المنصرم، حضره الى ابو فاعور، وزيرا الاتصالات بطرس حرب والعمل سجعان قزي، والنائبان انطوان زهرا وسامر سعادة، اذ قال أبو فاعور: "القرار الذي اتخذه الضمان تمّ من دون مسؤولية، إذ قضى برفع اليد عن مستشفى البترون وعدم تجديد العقد".
وهكذا عقدت سلسلة من الاجتماعات حضرها المدير العام للضمان مع الوزراء المعنيين وغير المعنيين بالملف، وبدأت الأمور تأخذ منحى مخالفاً للأنظمة والقوانين وبنود عقد الاستثمار:
-أرسل الوزير ابو فاعور الكتاب رقم 39101/1/10، تاريخ 16/11/2015، بحجة "عدم اقفال المستشفى"، طلب فيه الى الضمان الاستمرار في ادارة المستشفى.
- علّق المدير العام لوزارة الصحة وليد عمار على كتاب مدير المستشفى الى ابو فاعور بالآتي "معالي الوزير، ان تشكيل لجنة لتسلم المستشفى هو دعوة الى تلقي "كرة النار" ونحن لا نستطيع تحملها، ونقترح بأن يستمر الضمان في إدارة المستشفى".
- كتاب وزير العمل سجعان قزي رقم 2558/3 طلب فيه من مجلس الادارة الابقاء على عمل المستشفى موقتاً.
- اجتماع السرايا برئاسة الرئيس سلام وتغيب الوزير المعني أبو فاعور وحضور المدير العام محمد كركي (موضوع المستشفى خارج عن صلاحياته التنفيذية لأن مجلس الادارة "السلطة التقريرية" هو صاحب العلاقة).
- ابلغ كركي مجلس الادارة ان الرئيس سلام سأله عن كلفة الفاتورة الصحية الاستشفائية التي يدفعها الصندوق سنوياً، فأجابه أنها تصل الى 1000 مليار ليرة، فرد عليه سلام قائلاً "تدفع ألف مليار ليرة سنوياً وتغصّ بملياري ليرة لدعم مستشفى البترون". فخلص الاجتماع الى "استمرار الصندوق في إدارة المستشفى واستثماره الى حين صدور المراسيم، مقابل مليار و200 مليون ليرة تدفعها الحكومة الى الصندوق".
ما هو وضع المستشفى حالياً؟
وفق المعنيين في الضمان، ان المستشفى هو ملك وزارة الصحة وأصبح في عهدتها تطبيقاً لعقد الاستثمار الذي ينتهي في 13/12/2015، والضمان لا يريد التخلي عنه بسبب الخسائر المالية، بل نتيجة فشله في ادارته وتقديم الخدمة الصحية والاستشفائية المقبولة. وفيه نحو 150 موظفا لا يعرفون مصيرهم.

لبنان ACGEN اجتماعيات النهار رعاية وضمان