«مرصد الحراك» يرد على شماس: لا نعاني «فوبيا» الطبقية... ولسنا مسؤولين عن تدمير «قلب بيروت»

Sunday, 20 September 2015 - 12:00am
بين حنين قديم إلى ساحة كانت تسمى «البلد» وتختلط فيها عطورات سوق الطويلة بعجقة «البرج» وبين حضارة الـ«دي تي» التي جعلت من وسط البلد مكانا يضاهي في «فخامته» شوارع باريس ولندن وجنيف، فتحت «زلة لسان» رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس «قريحة» رواد الحراك على «إبتكار ريادي» لسوق شعبي خلت منه «البلد» منذ مرحلة ما قبل الطائف، تحت عنوان «أبو رخوصة»، تسابقت وسائل الإعلام كي تستكشفه.
«لن نقبل أن يتحول الوسط التجاري في بيروت إلى أبو رخوصة». قالها الشماس، عن قصد أو غير قصد، إلا أن ما فهم هو أن وسط بيروت هو حكر على فئة من اللبنانيين دون سواهم.
و«زكا الموضوع ووكاه» حديث شماس عن «بقايا شيوعيين»، مستعملا لفظة «الدجالين الاقتصاديين الذين يحاولون خلق حرب طبقية»، مدافعا عن «الليبرالية الإقتصادية» ما استفز جميع اللبنانيين الذين يعانون الأزمات كافة، وآخرها ملف النفايات.
الرد أتى على محورين، محور عملي حملته دعوة الحراك المدني للنزول إلى وسط بيروت؛ «ليعود وسط بيروت إلى أهله والناس، وليعود البلد يجمع اللبنانيين من دون أن يكون حكراً على أصحاب الحسابات المصرفية الضخمة، سوق أبو رخوصة لكل اللبنانيين من لديه/ لديها أدوات وثياب وأي شيء للبيع أو للتبرع لمحتاجين» كما ورد في متن الدعوة التي وزعت على صفحات الحراك على فايسبوك، وإلى وسائل الإعلام، وشق بياني تولاه بيان شديد اللهجة، متقن السبك، تولاه «مرصد الحراك المدني»، رد بحزم وقوة وفعالية على خطاب شماس، مفندا ما جرى في الأيام الثلاثة الماضية، و«آخذا في دربه» الإعتداء على المعتصمين، والرد على «تهمة الماركسية»، والتعرض الشخصي و«تعطيل قلب البلد».
كما لفت في الوقت عينه إعتصام حاشد دعا له إتحاد المقعدين اللبنانيين تحت جسر البسطا التحتا ، في المكان الذي أحرق فيه المقعد توفيق خوام نفسه.
ساحة رياض الصلح عجت بالمواطنين، دبكة، أراكيل، عطورات، ترمس، حلويات، كعك، خبز، قهوة، «بسطات» من المشغولات اليدوية والخضار، رسالة للكل... «لبنان للجميع» نشر المواطنون بضائعهم على الأرصفة لبيعها بأسعار زهيدة، وذلك في رسالة «ليسمعها الجميع، أسواق بيروت التجارية ليست حكراً على فئة أو طبقة محددة من المواطنين».
المشهد لطيف جدا، رسالة بطعم وطن يحب الحياة، وشعب لبناني يقول ما قاله بيان مرصد الحراك «إن كبار الرأسماليين في البلد يفتخرون بأنهم كانوا من الطبقة العاملة الفقيرة، والفقر ليس عيبا، ولكن سرقة المال العام عيب، والإعتداء على كرامات الناس عيب، والعودة إلى خطاب طبقي يفاضل بين الناس على أساس محتوى الجيوب لا محتوى العقول هو العيب والظلم والعار».
إذن المشهد أمس كان على فصول ثلاثة، لقاء محبة في الساحة جمع المئات تحت عنوان سوق أبو رخوصة، واعتصام لإتحاد المقعدين اللبنانيين، وبيان مرصد الحراك المدني، ومن هنا نبدأ.
«مرصد الحراك».. لا للكلام المسيء
أصدر مرصد الحراك المدني المؤلف من مجموعة من الناشطين بيانا عدّد فيه مجموعة من النقاط ردا على ما حصل في الأيام الثلاثة الماضية، ومما جاء فيه إستنكارهم لمستوى العنف غير المسبوق الذي استعملته القوى الأمنية.
وأضاف البيان أن ما صدر عن بعض الناشطين في الحراك والمضربين عن الطعام بحق بعض الأطراف السياسية، والذي اعتبر مسيئا، كما وردود الفعل المؤسفة التي حصلت هو مستنكر، وأوضحوا أن الحراك ومنذ قيامه لم يدخل في عملية التسمية الفردية لأي طرف سياسي أو حزبي، بل هو قائم ضد الطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة في لبنان، والتي استمرت في ظلمها، إلى أن وصلت لمرحلة ارتكاب الخطيئة الكبرى بحق الديمقراطية والحرية والدستور وهي التمديد المشؤوم، إلا أن ذلك لا يبرر استعمال العنف في وجه المتظاهرين، كما ولا يبرر أيضا تقاعس القوى الأمنية عن حماية المحتجين، ولا القصاص الجماعي للحراك، علما أن الحراك يضم في صفوفه مناصرين لكافة القوى السياسية والأحزاب، الذين حضروا بصفتهم الشخصية وتحت العلم اللبناني حصرا. والحراك لا يجد نفسه مطلقا في خصومة مع جمهور أي فريق سياسي لبناني، بل هو على خصومة مع الفساد والهدر والمحسوبية والإستزلام والقمع والذل والإستعباد والفقر والبطالة والنفايات، بالتالي، الموضوع ليس شخصيا مع أي طرف، ويبقى المرجع الصالح للبت في كل الملفات العالقة والإتهامات هو القضاء، والقضاء حصرا، وبالتالي، وحسما للمزيد من النقاش، كل ما يصدر عن أي ناشط أو مواطن، يعبر حصرا عن وجهة نظره الخاصة، وليس عن توجه الحراك أو الموقف الرسمي للحراك، الذي يعلن في بيانات توزع على وسائل الإعلام.
وتوقف البيان عند تحميل البعض للحراك مسؤولية تدمير «قلب العاصمة الحبيبة بيروت»، والشكوى من ما سمي «إستمرار تعطيلها»، أو التحذير من تحويلها منطقة منكوبة، يهم الناشطين توضيح حقيقة أن سياسة التمديد في جمهورية التمديد، وخوف السلطة الحاكمة من النقمة الشعبية، والتي أفرزت فيما أفرزت جدار العار الذي أسقطته قبضات المعتصمين الأبطال، إلى الإغلاق المستمر لقلب العاصمة، بالذرائع الأمنية الواهية، هي المسؤولة أولا وأخيرا عن تدمير قلب العاصمة بيروت، ونذكر الغيارى على الأمن الإقتصادي أن إفلاس أهل السلطة في لبنان، وعدم تمكنهم من الخروج من عنق الزجاجة في كل الإستحقاقات الدستورية، واستمرار الشغور في موقع الرئاسة الأولى، هو الذي هجر السياح والمصطافين ورؤوس الأموال، ولولا بعض المبادرات للمجتمع المدني في مواسم الأعياد، لبقي وسط بيروت خاليا على مدار السنة، وقبل إنطلاق الحراك بأشهر. فالنكبة اللبنانية المستمرة هي بطبقة سياسية لم تعد تلبي طموحات الشعب اللبناني ومطالبه المحقة في دولة القانون والمؤسسات.
وأضاف البيان : يهم الناشطين التوضيح أن الحراك لا يعاني فوبيا الطبقية، وفي الوقت عينه ليس حراكا ماركسيا يستهدف الليبراليين، أو يساريا يستهدف اليمينيين، أو للفقراء يستهدف الأغنياء ويطالب بتأميم أموالهم، وهو أيضا ليس كما يحاول البعض أن يصوره مجموعة من المشاغبين الذين لا عمل لهم إلا التكسير والتخريب وغيره، بل هو فعل إعتراضي عام وشامل من كافة الشعب اللبناني، ومن المفيد الذكر أنه بحسب الإحصاءات التي تقوم بها شركات محايدة، استطاع لأول مرة في لبنان أن يحصل على نسبة دعم تفوق الثمانين في المئة، وهذا ما لم يحصل لأي مجموعة سياسية قائمة.
وأكد الناشطون على حقيقة أن الساحة غير مغلقة في وجه أحد، بل على العكس، فكلما اتسعت رقعة المطالبة بالإصلاح، كلما زادت الضغوط على الطبقة السياسية من المجتمع الدولي، لحثها على المزيد من إصلاح النظام، وبالتالي، هي دعوة للهيئات الإقتصادية لإعلان الإضراب العام والغضب الوطني مع جميع الشعب اللبناني، إحتجاجا على فشل الطبقة السياسية في تحقيق أبسط حقوق الشعب اللبناني، وخاصة أن رائحة النفايات القاتلة لا تميز بين فقير وغني، والتدهور الإقتصادي يصيب جميع القطاعات.
وأضاف لعله من المفيد تذكير من يطالب بتحكيم «لغة العقل» بضرورة أن يقوم هو أيضا بتحريك لغة الضمير الوطني، وخاصة منه ذلك الذي يعلن صراحة أن كل شبر من المساحات العامة على التراب اللبناني هو ملك الشعب اللبناني، وممنوع أن يكون محظرا على أحد، علما أن الموقف الرسمي للحراك هو أنه تحت سقف القانون والدستور، وخصوصا حق التعبير عن الرأي، وتحكمه العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة، وخصوصا مقدمة الدستور اللبناني، بالتالي، لا بد من إعادة التاكيد على أن سقف حرية التعبير هو عدم التعرض للأملاك العامة والخاصة، وحرمة التعرض للقوى الأمنية، وقد كرس ناشطو الحراك هذا الموضوع صراحة، والتسجيلات التلفزيونية تظهر كيف قام الناشطون بحماية السياج الشائك، وأداروا ظهرهم للقوى الأمنية، وحاولوا قدر المستطاع تخفيف الصدام معها، وهم دأبوا على الإعلان أن المعركة ليست مع القوى الأمنية، بل مع سلطة الفساد والإفساد والفراغ والتفريغ، والتعطيل والتمديد، ولعله من المفيد تذكير من كان ناسيا أن كبار الرأسماليين في البلد يفتخرون بأنهم كانوا من الطبقة العاملة الفقيرة، والفقر ليس عيبا، ولكن سرقة المال العام عيب، والإعتداء على كرامات الناس عيب، والعودة إلى خطاب طبقي يفاضل بين الناس على أساس محتوى الجيوب لا محتوى العقول هو العيب والظلم والعار.
إعتصام للمقعدين اللبنانيين
تحت جسر البسطا التحتا نظم «اتحاد المقعدين اللبنانيين» وقفة احتجاجية استنكارا لـ«الاستهتار بحقوق المعوقين والمسنين والمشردين، الذي أدى إلى أن يحرق رجل مسن معوق مشرد نفسه على كرسيه المتحرك»، في المكان الذي أحرق فيه توفيق خوام نفسه.
وتلت رئيسة الاتحاد سيلفانا اللقيس، بيانا باسم المشاركين، قالت فيه: «مر أسبوع على إقدام المسن المعوق المشرد توفيق على إحراق نفسه، من دون أن يتحرك ساكن لدى السلطة المعنية بتأمين حقوق الأشخاص المعوقين والمسنين والمشردين، وكأن الأمر لا يعنيها»، سائلة «وكيف سيعنيها الأمر، وهذه السلطة عبر حكوماتها المتعاقبة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، تستهتر بحقوق الفئات المهمشة، وتسلب الفقراء حق التأمين الصحي والاجتماعي، وحق السكن في بيئة تحترمهم وتحترم حقوقهم كبشر؟».
أضافت «مر أسبوع على إعدام توفيق لنفسه فوق كرسيه المتحرك، ولم تتحرك وسائل الاعلام التي تدعي أنها سلطة رابعة، وتنصب نفسها مدافعة عن حقوق المهمشين المسلوبين حقوقهم في لبنان. لم تكلف نفسها عناء رفع الصوت في وجه الطبقة السياسية لمناصرة قضايا أناس، بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الوطن، وإذا ما غدر بهم الدهر يرمون على الطرق وتغلق في وجوههم الأبواب».
وتابعت «لكن قبل ذلك، مرت خمس عشرة سنة، منذ صدور القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين، والسلطة نفسها على الرغم من تبدل بعض الوجوه، تعمل على تهميش الأشخاص المعوقين وحرمانهم من أبسط الحقوق البشرية، التي نصت عليها الشرائع الدولية، وآخرها الاتفاقية الدولية حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تنتظر تصديق مجلس النواب عليها منذ تسع سنوات».
وأردفت «اليوم، نقف في المكان حيث أحرق توفيق نفسه، لإطلاق صرخة في وجه الاستهتار المزمن، والتهميش التاريخي لحقوق أكثر من عشرين في المئة من الشعب اللبناني من مسنين ومعوقين ومشردين على الطرق. نقف هنا، موجهين أصابع الاتهام إلى السلطة الفاسدة، التي أجبرت توفيق على إحراق نفسه، بعدما سدت في وجهه جميع السبل إلى الحد الأدنى من الحياة الكريمة كإنسان. هذه السلطة الفاسدة ضربت عرض الحائط بأبسط الحقوق التي ضمنها الدستور وكفلتها الشرائع الدولية».
وأكدت «نحن في الحملة المطلبية المستمرة لحقوق الأشخاص المعوقين، منحنا الحكومات المتعاقبة فرصا كثيرة للنهوض بقضايا الإعاقة، مقدمين النماذج التي تقود نحو احترام تلك الحقوق، مستخدمين الدبلوماسية في محطات كثيرة، إلا أن السلطة استنفذت كل الفرص وكانت في كل مرة تقمع أي أمل للوصول إلى أدنى الحقوق الإنسانية. وها هم الناس يرمون في الشوارع اليوم، نتيجة الزيادات على الإيجارات والاستمرار في الانتهاكات».
وقالت: «إننا اليوم، ومن المكان الذي تحول رمزا للتهميش ولخنق آمال الأشخاص المعوقين والمسنين في لبنان، نؤكد حقوقنا المشروعة، ونطلق حملة مطلبية حقوقية تصعيدية عبر جميع أشكال النضال السلمي، لانتزاع حقوقنا من السلطة المجرمة الفاسدة»، سائلة «أتدفعون بنا إلى الموت على الطرق مشردين، بلا طبابة أو استشفاء أو مأوى كريم؟ أتدفعون بنا إلى الانتحار وأنتم تسلبون منا حقنا في التأمين الصحي والاجتماعي، وضمان الشيخوخة؟ فشرتوا!».
وختمت «ها هو توفيق قبل انتحاره قد وزع المال القليل الذي كان بحوزته على الأطفال، ثم ابتاع قنينة بنزين ليشعل نفسه في وجوهكم الكالحة، في وجوه ثرواتكم التي سرقتموها من فمه، كما سرقتموها من أفواهنا وأفواه أطفالنا. وتركتمونا لتنهشنا سياساتكم الهدامة»، مؤكدة «لا سكوت ولا مهادنة حتى نيل مطالبنا المحقة»، داعية «فلتنطلق شعلة توفيق، ولننطلق خلفها معوقين ومشردين ومسنين، حتى تحرقكم جميعا».
بيان للحركة اليسارية
وفي سياق متصل، سألت الحركة اليسارية ماذا سيحصل في ظل اجواء طائفية لبنانية في حال استقالت الحكومة، من سيملأ الفراغ وكيف سيتطور السيناريو؟ وأضافت في بيان «سنحاول ان نفرغ مضمون البيان مسبقا وسنسلم بان الحراك المدني بريء نقي غير مرتهن الا ان الوجوه المسيئة في الاعلام وتعميم الاتهامات التجريحية وقطع الطرقات ورفع الشعارات غير الواقعية هي السلاح الامضى للقضاء على الحراك المدني، ليصبح معه مقتل الحراك على يد المحركين أنفسهم ليتحملوا مسؤولية تاريخية مدانة».
وقالت «تربينا على ثقافة الرفض والتغيير استنادا الى قانون الثورات وتأمين شروطها القائمة على نضوج الظروف الموضوعية وإفلاس السلطة وعجزها الاستمرار في ممارسة سلطتها والظروف الذاتية المرتبطة وفي جهوزية قوى التغيير وأدواتها القادرة على تفجير الثورة مرورا في تدمير المؤسسات القديمة واستكمال عملية التغيير والانقضاض على النظام السياسي واذا كان الشرط الاول متوفرا اليوم في لبنان فالشرط الثاني محكوما بعوامل طائفية مقررة ولها مصلحة مباشرة في بقاء النظام على قاعدة تحسين الشروط الفوقية في عملية الاصلاح ولا تتجاوز السقف المرسوم للمحاصصة والتوزيع، لذلك نرى كيف يتم مصادرة من داخل السلطة وخارجها حينا والصدام معه احيانا اخرى».

الديار مجتمع مدني