مخيم الجليل: عنوان الوحدة الفلسطينية

Friday, 15 May 2015 - 10:14am
اعتمدت تسمية مخيم الجليل بعد العام 1970، كتسمية وطنية بعدما كان اسمه «مخيم ويفل». ويُعَدّ من المخيمات الصغيرة في لبنان نسبة إلى عدد سكانه، الذين بقَوا في تعداد ثابت منذ 50 عاماً بسبب حجم الهجرة إلى أوروبا وبعض الدول العربية. عديد المخيم في العام 1972 كان 2000 نسمة، وفي العام 2015 لا يتجاوز العدد المدوّن في سجلات «الأونروا» 2550 شخصاً، في ما الإحصاءات تشير إلى أنهم يتجاوزون 7000 شخص.
أدّت القوانين اللبنانية الجائرة بحق الفلسطينيين إلى تمنّع قسم كبير من المهاجرين من تسجيل أبنائهم، خصوصاً بعد إجراء منع حصول الفلسطيني على جوازين، ما اضطرهم إلى التمسّك بالجواز الأوروبي والتخلي عن الجواز اللبناني، وإلغاء تسجيل ولاداتهم الجديدة. وقد تبدّل القرار أخيراً بالسماح لهم بالحصول على جوازين، وذلك ليس حباً بهم أو تسهيلاً لحركتهم بل بهدف الحصول على مساعدات للدول التي تأوي فلسطينيين.
أبناء مخيم الجليل يعيشون في ظروف أكثر من صعبة، فالقسم الأكبر منهم محشور في بناءين متصدّعين آيلين للسقوط، الأول تقطنه 94 عائلة والثاني 23 عائلة، تحاول وكالة «الأونروا» بين الحين والآخر إخفاء التصدعات ببعض الدهانات. كما أن بعض شوارع المخيم عبارة عن أنفاق تعلوها غرف سكنية للإفادة من المساحة الجغرافية الضيقة. مساحة المخيم 42 ألف متر مربع، بعض أزقته ضيقة لا تتسع إلا لمرور شخص واحد، وقد تمكّنت اللجان الشعبية خلال السنوات الأربعين الماضية من الحفاظ على طريق واحد وسط المخيم.
لم تؤثر الحرب الأهلية على علاقة المخيم بجواره، لا بل كانت متميزة عن باقي مخيمات لبنان، إذ يبلغ عدد الزيجات المختلطة بين اللبنانيين والفلسطينيين نحو 30 في المئة من عدد أبناء المخيم.
ساهم المخيم في نشاطات المقاومة الفلسطينية النضالية منذ ما قبل بدايات الثورة المعلنة، فالعشرات من أبنائه كانوا من طليعة المؤسسين للنضال الفلسطيني، فقدّم المخيم أكثر من 50 شهيداً على طريق العودة إلى الوطن.
تميّز المخيم بنمط من العلاقات الاجتماعية الداخلية، وذلك بسبب الارتباطات العائلية والعشائرية والمناطقية، فلم يسجّل في المخيم بالرغم من كل ظروف الحرب الذي شهده لبنان والصراعات التي حدثت في الساحة الفلسطينية أي إشكالات أمنية تذكر. لا بل يُعتَبر من أفضل المخيمات في تكريس الوحدة الوطنية الداخلية ورفضه للانقسام السياسي، انطلاقاً من فكرة: «كلنا لاجئون وعلى ماذا نختلف طالما أن أرضنا محتلة؟».
أمين سر اللجنة الشعبية في المخيم عمر قاسم، يرى أن الحرب الأهلية في لبنان والانقسامات الفلسطينية، دفعت بالمخيم إلى أن يتحصّن ويحمي نفسه من كل الصراعات «وقد نجحنا في كل الامتحانات التي تعرّضنا لها، ومن أبرز عناصر الوحدة الوطنية التي تتجلى داخل المخيم أنه توجد لجنتان شعبيتان، واحدة للتحالف والأخرى لمنظمة التحرير، لكن عمل اللجنتين داخل إطار واحد، وهما بمثابة لجنة واحدة، كما أن النشاطات الوطنية والاحتفالات الشعبية تتم وفق برنامج موحّد».
ويثير قاسم النواقص في خدمات «الأونروا» الصحية، التي لا تشفي غليلاً ولا تسدّ جوعاً. فمستوصف «الأونروا» محددة خدماته بطبيب صحة عامة واحد، وأحياناً تصل الحالات المرضية اليومية عنده إلى 225 معاينة، والحد الأدنى للمعاينات يبلغ 80 مريضاً، بينما تؤكد «منظمة الصحة العالمية» أن الحدّ الأقصى لمعاينة طبيب في اليوم الواحد يجب ألا تتجاوز 20 مريضاً. ويتابع قاسم «عمليات القلب المفتوح لا تغطّى إلا بنسبة 50 في المئة، وحالات الجلطات الدماغية أقل من 30 في المئة، وعمليات غسل الكلى تتم التغطية بـ 20 في المئة مع الإشارة إلى وجود 7 حالات غسل كلى داخل المخيم».
وعن كيفية تسديد العجز في الجانب الصحي، فيعتمد على مصدرين، إما أقارب المريض في المهجر أو عبر أحد نشطاء المخيم، بجمع التبرعات لهم من خلال محادثة المقتدرين من الفلسطينيين في الخارج بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعليقاً على تحديد سقف زمني ومالي لمعالجة مريض السرطان، تشير الناشطة الاجتماعية سعاد عبد الغني إلى أن «تقدير الاونروا أن مريض السرطان لا يعيش أكثر من سنة، وإذا ما طال عمره فليعالج مرضه على نفقته». وتكشف عبد الغني أن أمراض العمود الفقري لا تغطى أبداً، مستنكرة «هل الفلسطينيون هم من فصيلة اللافقريات أو الرخويات!».
كما وتزيد إجراءات الدولة اللبنانية ضغطاً على المواطنين الفلسطينيين، فتمنعهم من تسجيل شقة سكنية لأولادهم «أكثر من 200 شقة خارج المخيم مشتراة»، هذا الأمر حسب وليد عيسى وضع الفلسطيني أمام نارين، إما اللجوء إلى وسائل الاحتيال وهي محدودة في هذا المجال، وإما تسجيل شقته باسم لبناني، فقد يرضخ لعمليات ابتزاز، كما حصل في عدد من الحالات، حيث تمنّع اللبناني عن الاعتراف بحق الفلسطيني في العقار المشترى.
ويُضيف عيسى «البعض اعتمد على حيلة جديدة في هذا المجال، إذ عمل على تسجيل ملكيته باسم مَن حصل على الجواز الأوروبي، لكن أخيراً بدأ يطلب من أصحاب الجوازات الأوروبية أن يتقدّموا بمستندات تثبت أنهم ليسوا من فلسطينيي لبنان».
من جهة أخرى، عملت الحرب على تغيير وجهة العمالة الفلسطينية، فقد كانت طيلة الفترة الماضية مقتصرة على العمالة في الزراعة والبناء ومحطات المحروقات، أما اليوم فقد تحوّل قسم منهم إلى التجارة، بينما القسم الآخر يعيش في بطالة مقنعة يعتمد على المساعدات من العائلات المهاجرة أو من التفرغات من قبل التنظيمات الفلسطينية، إذ يبلغ عدد متلقي مساعدات شهرية من طلاب ونقابات، في ما تفرّغ نحو 600 فرد في التنظيمات، ويبلغ موظفو «الأونروا» في القطاع التربوي والصحي والنظافة 150 شخصاً.
ويبين أحمد شاهين أن الوضع الاجتماعي داخل المخيم أقرب إلى المأسوي، بسبب وجود حالات فقر مدقع متروكة لقدرها، إذ إن الانقسام السياسي والاصطفاف تركا أكثر من 50 عائلة معدَمة، تعيش على فتات الآخرين والصدقات. ذلك في ما «الأونروا» تصنفهم من أصحاب العسر الشديد، وجلّ ما تقدّمه لهم مبلغ 15 ألف ليرة كل ثلاثة أشهر.
ويشير شاهين إلى أن التراجع السياسي بلغ ذروته، فانكفأ الناس ويعيشون ما يشبه الإحباط، ما دفع بتقدّم ملحوظ للجمعيات المدعومة من جهات خارجية، يرتسم العديد من الملاحظات السياسية بشأنها وفي مقدّمها خلق مؤسسات موازية للتنظيمات الفلسطينية.
ويسجّل شاهين لمخيم الجليل أنه لم يأوِ أياً من عناصر التنظيمات المتشدّدة، كما أنه لا يشكل لهم أي بيئة حاضنة للتطرّف، مشيراً إلى أن فعاليات المخيم اتخذوا قراراً بعدم إقحامه في أيّ شقاقات سياسية تؤثر على وحدتهم الاجتماعية والوطينة.

لبنان ACGEN السغير حقوق الفلسطينيين