ما وراء الاجراءات المتأخرة والمتشددة للحد من عملية النزوح؟

syrians.jpg

بعد أربع سنوات على إندلاع الحرب في سوريا، وما استتبعه من تدفق للنازحين/ات الى لبنان، الذين واللواتي وصل اجمالي عددهم/ن حتى 22 كانون الثاني 2015 الى 1154593 نازحاً/ة، بحسب ارقام مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، تنبهت الحكومة اللبنانية، الى ضرورة فرض اجراءات للحد من عملية النزوح، فوضعت بتاريخ 31 كانون الاول 2014، معاييراً متشددة لدخولهم/ن الى لبنان وللاقامة فيه، معايير اثارت سلسلة واسعة من الاعتراضات من بعض القوى السياسية، تستوجب التوقف عندها.
في البدء لا بد من الاشارة ان المسؤولين الذين باتوا اليوم يهولون من تداعيات النزوح السوري، كانوا السبّاقين في المطالبة بتشريع الابواب واسعاً، عند بدء الحرب في سوريا، تحت مسميات "الحالات الانسانية". اما اليوم، فقد تحولت تلك القوى للمطالبة بوضع حد لتدفق النازحين/ات، انما هذه المرة بحجة عدم توفر الامكانات المالية، والعبء على الاقتصاد الوطني.
بموجب التوجه الجديد، تم تصنيف السوريين/ات الذين/اللواتي يدخلون/ن لبنان الى ست فئات، وتشمل الاجراءات المعمول بها تقديم مستندات تتعلق بهدف الزيارة مثل السياحة أو الإقامة المؤقتة أو الدراسة أو السفر عبر المطارات والموانئ البحرية اللبنانية أو العلاج أو مراجعة سفارة أجنبية، كذلك نصت على حصر دخول السوريين/ات بالأسباب المحددة، إلا في حال وجود مواطن/ة لبناني/ة ضامن/ة يكفل الدخول والإقامة والسكن والنشاط، وذلك بموجب تعهد بالمسؤولية.
فور صدور الاجراءات السابقة الذكر، والتي اعتبرها البعض شكلا من اشكال "نظام التأشيرة"، برزت اعتراضات، خصوصاً من القوى الحليفة للحكومة السورية، فصرح رئيس مجلس النواب، نبيه بري، عن رفضه لمبدأ التأشيرة، مضيفاً ان وفداً ضم وزراء حزب الله وحركة أمل، ابلغ رئيس الحكومة، تمام سلام، بذلك.
تبدو الاجراءات المتأخرة، محاولة لذر الرماد في العيون، فيما القصد الحقيقي منها ليس واضحاً تماماً، خصوصاً وانها أتت بعد تسجيل تراجع فعلي في حركة دخول السوريين/ات الى لبنان، الذي قدر بمقدار 27 بالمئة ما بين الشهر الاول من العام 2014 والشهر التاسع منه، وذلك بحسب مصادر الاجهزة الامنية، والمنظمات الدولية.
يعزو بعض المراقبين ذلك التراجع الى النقمة الشعبية المتزايدة تجاه النازحين/ات، وكذلك الى تراجع حجم الدعم المالي المباشر من قبل منظمات الاغاثة والمؤسسات الدولية. اما فيما يتعلق بالامكانات المالية للدولة، والتي هي ايضاً احدى حججها الرئيسية، فهي اصلا كانت دائماً متدنية، علماً ان لبنان لم يحصل من الخارج، سوى على 20% من اجمالي حجم الاموال التي طلبها. وفيما يقول البعض ان تلك الاجراءات لم تصدر بسبب الحجج المعلنة، يبدو ان تغيير المناخ العام خارجياً ومحلياً، وبعض الحسابات السياسية المحلية، هما السببان الرئيسيان.
اخيراً، وبغض النظر عن تبعات تلك الخطوة، في حال قررت الحكومة السورية المعاملة بالمثل، وما سيرتب ذلك من نتائج اقتصادية سيئة على لبنان، على صعيد حركة البضائع والاشخاص، وكذلك الاعتبارات الانسانية، يلاحظ ان الاجراءات الجديدة لم تترافق مع معالجة جدية لمسألة اليد العاملة السورية، الموجودة بكثافة حالياً على الاراضي اللبنانية، والتي يجني اصحاب المصالح الاقتصادية ارباحاً طائلة منها، بسبب تقاضي العامل/ة السوري/ة اقل ما يتقاضاه/تتقاضاه العامل/ة اللبناني/ة او لدورها في تعزيز الاستهلاك المحلي.