إحصاء 1932 والتأسيس لقيام الدولة اللبنانية

لعب إحصاء 1932 دون شك دورا أساسيا في سيرورة بناء الدولة في لبنان الحديث، مشكلاً الأساس الذي بني عليه التسجيل "الرسمي" للسكان المقيمين في لبنان وللمغتربين اللبنانيين، كما يعتبر حجر الزاوية في تشريعات المواطنية في لبنان وما يزال الإحصاء الوحيد الذي تم إنجازه حتى الآن.

تندر الدراسات التي تناولت احصاء 1932 بشكله الأصلي كما أن القليل معروف عن طريقة تنظيمه وإدارته. تقوم رانيا مكتبي، مؤلفة "إعادة زيارة لإحصاء 1932: من هم اللبنانيون؟" {المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط (1999)، 26،(2)، 219-214} بدراسة البيانات لإحصاء 1932 وصولا الى خلاصة مفادها أن نتائج الاحصاء كانت مسيسة الى حد كبير، ومبينة كيف ان كثيراً من الأشخاص الذين أقاموا في لبنان لأجيال لم يتم تعدادهم كلبنانيين بينما منحت المواطنة لحالات أخرى وضعها غير أكيد وقابل للنقاش. أما المقيمين الذين اعتبروا "غير مرغوب فيهم" فقد استبعدوا من الوضع على قوائم السجلات الشخصية أو صنفوا كـ"أجانب". نتائج إحصاء 1932مهدت الطريق وقتها باتجاه تقاسم التمثيل السياسي والذي جاء بنسبة 6 للمسيحيين و5 للمسلمين، وهي صيغة ظلت قائمة حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 التي انتهت باتفاق الطائف الذي اعتمد المناصفة في عام 1990.

من المرجح أن بعض اوجه الخلل في تنفيذ العملية الاحصائية كانت نتيجة لإخفاقات بيروقراطية، ولكن الإقصاء المتسق من الانتماء للكيان اللبناني للأشخاص بدون جنسية وكذلك للمقيمين من غير المواطنين أصبح جزءاً من الممارسة السياسية للدولة اللبنانية. بعد احصاء 1932، برز توجه واضح لمنح الجنسية اللبنانية لمقدمي الطلبات من المسيحيين على حساب نظرائهم المسلمين، فيما كان معظم مقدمي الطلبات المسيحيين إما مغتربين أو لاجئين ممن وفدوا إلى لبنان منذ فترة وجيزة سابقة مثل الأرمن والسريان والكلدان. من ناحية أخرى، تشير الدراسة الى ان الكثير من مقدمي طلبات التجنيس من المسلمين القاطنين في المناطق الحدودية ومجموعات أخرى من المسلمين مثل الأكراد لم يتم احصاؤهم، وأصبحت المجموعات ذات الغالبية المسلمة التي لم يحتسب أفرادها تعرف باسم "المكتومين" أو"المحرومين" أو الأشخاص الذين تعتبر هويتهم "قيد الدرس".

شكل تسييس البيانات السكانية أحد اهم السبل لتأمين الهيمنة للاوساط السياسية المسيحية ولملء الخلل في التوازن الديمغرافي الذي نتج عن دمج المناطق ذات الغالبية المسلمة عند تشكيل دولة لبنان الكبير. وقد ظل الإقصاء عن الجنسية مطبقا لفترة طويلة على الأشخاص المسلمين بدون جنسية اوغيرالمسجلين واللاجئين المقيمين، عبر اعتماد سياسة للتجنيس صارمة. والجدير ذكره، انه عند تكوين لبنان الكبير وضم عدد كبير من المسلمين إلى سنجق جبل لبنان، انتقل الموارنة من كونهم أكثرية إلى أقلية. ومن هنا يمكن فهم عملية تجنيس المسيحيين اللاجئين الى لبنان بهدف زيادة مجموع عددهم والحفاظ على السيطرة السياسية المسيحية على الدولة تماشيا مع الخطة الفرنسية للمنطقة وقتئذٍ.

على ضوء الوقائع التاريخية، يبدو في الوقت القريب مستبعداً القيام باي احصاء سكاني طالما أن الرؤية الى المواطنية اللبنانية لا تزال موضع تباين سياسي يستوجب توحيد الرؤية حول كيفية مقاربة موضوعي اللاجئين والمغتربين وذلك في ظل غياب قانون واضح ومفصل لإدارة عملية تجنيس غير اللبنانيين، وخصوصاً ان الواقع السياسي في لبنان يسمح بتحوّل الثقل الديمغرافي لفئة مجتمعية معينة الى قوة سياسية ضاغطة.

يوفر هذا المقال قراءة قيمة ومرجعا مهما يكشف تداخلات المنظومة السياسية الطائفية في لبنان ويسلط الضوء على الطبيعة التمييزية للتشريعات الحالية الخاصة بالجنسية وكيفية إعادة توليد الظلم في لبنان المعاصر.

للاطلاع على النص الاصلي للمقال باللغة الانكليزية، الرجاء مراجعة الرابط التالي: http://www.lkdg.org/webfm_send/157